كلام

الشارع دة رحنا فيه المدرسة ..اللي باقي منه باقي و اللي مش باقي اتنسي كنسوه الكناسين بالمكنسة بدموعي في لحظة اسي انا برضة كمان نسيت صلاح جاهين

Name:
Location: cairo, Egypt

Tuesday, February 22, 2011

auto-immune disease

هو مرض لا سبب له.. عندما تبدأ مناعة الجسد في التوحش والشراسة بلا أي مبرر وتحول اجهزتها المناعية والخلايا الدفاعية للجسم نفسه بدلاً من الأجسام الغريبة فتهاجم خلايا الجسم الطبيعية..والسبب كما قلت غير مفهوم طبياً ولا علمياً ..قد يكون الجهاز المناعي في حالة من التحفز إما بسبب تعرضه لمثيرات من قبل أو بلا محفزات سابقة.
هذا الحال هو ما أراه الآن يحدث؛ حالة من المناعة الذاتية أصبنا بها لتدمر معها خلايا الجسد الطبيعية لطول عهد التحفيز والشحن فبات الجهاز في أتم الاستعداد للانقضاض وتدمير خلاياه بنفسه
1-بدأنا حملات التشويه لكل وأي رمز .. الأول مع البرادعى.. فجأة صار عميلاً وخائناً وليس جديراً بمنصب الرئيس.. نسينا كل ما قدمه ولم نتذكر سوى أننا لابد من تشويهه الآن!.. نسينا أنه ساهم بقدر كبير للغاية في تشجيع الكثير من الشباب على الفيس بوك للمطالبة بالتغيير. نسينا أنه القى حجراً كبيراً في مياهنا الراكدة للإفاقة.
2- نفس الأمر مع "وائل غنيم".. الأول رفعنا به سابع سما وانهالت التعليقات عليه في الفيس والانترنت وجعلناه رمزا أقوى من "جيفارا" وبعدها بدأ العكس تماماً حملات عكسية للتنديد به وتشويهه تماماًّ! نسينا أمراً صغيرا مهما للغاية أن الشاب ليس سياسي محنك ولا فقيه دستورى ولا أصلاً زعيم.. هو بمثابة شرارة الاحتكاك بين الحجرين الذي دفعت نار الثورة في نفوس الشباب؛ دوره كان الشحن والتمهيد والتخطيط للموعد والمبادئ الأساسية للاحتجاجات الثورية.. لم يكن يخطط لأبعد من صيحة غضب في وجه عقود الظلم.. لم يكن يضع خطوط سير واضحة أو مسار محدد للثورة.. انما طالبناه بما ليس في مقدوره؛ واتهمناه بالخنوع والخيانة عندما عجز عن تنفيذه.. ومن ثم انهالت على رأسه كل اللعنات!
هناك أمر شديد الأهمية نحتاج لإدخاله وهضمه في طريقة فهمنا وحكمنا على الأمور.. أنه إن لكل شخص مكانه ودوره؛ يؤديه جيداً وتحين نقطة أخرى لشخص آخر يتسلم منه وليس معنى عجز أو قصور أحد في اتمام دور ما فهو إذن خائن ومتخلٍ عن القضية؛ كيف يتخلى عن قضية هو أصلا من نادى بها؟!
كذلك؛
3-مناقشة المادة الثانية من الدستور المتعلقة بالشريعة الغسلامية كمصدر للتشريع؛ نداءات مبكرة للغاية حتى بعد يوم واحد فقط من تخلى مبارك عن السلطة ومطالبة بإلغائها؛ هل هذا وقته؟!
البلد في خالة انتقالية حرجة والثورة نفسها لم تنته بعد لنفاجأ بمن لايريد الاكتفاء بسكب البنزين بل بإشعال النار أيضاً لإيجاد نار لم يكن لها أي وجود. لم نفرغ بعد من تعديل المواد الكارثية التي جعلت البلد بأكملها حرفياً داخل جيوب الحزب الحاكم والرئيس الحاكم ونتفرغ الآن للصراعات التي ستنتج جراء تلك الدعوى التي ستحدث فتنة لا شك فيها في وقت نحن أغنى ما نكون عنها. بدلاً من جمع أصابع اليد الواحدة لتمسك بالهدف المشترك نحفز جهازنا المناعي ليضرب خلايا كل اصبع في مقتل فتبتر كل على حدة.
كما ليس فقط أنها ليس وقت الخلاف والاختلاف بين الصف الواحد؛ إنما كذلك هى أصلا ليست النقطة المحورية في حياتنا السياسية القادمة؛ فهناك مئات الثغرات التي يتبغى الالتفات لها وهى الأخطر بالفعل .. المادة نفسها لا تغير في شيء على الناحية السياسية ولا تشكل تمييزاً عنصرياً ما تجاه العنصر الثاني من المجتمع وهم المسيحيون؛ فحقيقية أن مصر دولة إسلامية لا يعني بالضرورة أن تمييزاً ما سيقع على المسيحيين. الشباب أعلنوها صريحة.. نريدا دولة مدنية ليبرالية تكفل الحريات للجميع..
كما أجد الموقف عبثي للغاية خاصة حين يقوم الكثير بالتبرع بإنشاء مجموعات على الفيس بوك للتغنى بأنهم ضد التمييز الديني وضد أي امر يقصي أخوتنا المسيحين.. ما هذا؟! فهو كمن يصيح في وسط الميدان أنه لن يسمح ابداً بغلاء أسعار الهواء! الهواء اصلا مجاني فمن الذي تحدث عن أسعار هنا؟.. تماما فالمسيحين أصلا لا يوجد تمييز عنصري ضدهم..الفتنة من خلق لها ارضا النظام السابق الفاشي ليسود بالفرقة.. ولا أحب من الأساس النبرة التي تتحدث بها بعض الألسنة عن ضرورة الابتعاد عن التمييز الديني فهي تكون في المقام الأول نبرة الذي ينصب نفسه حامياً للأقلية؛ المسيحيين أولا عنصر فاعل في الدولة وهم شركاء الوطن مثلنا مثلهم فلا داع لهذه النبرة لأنها تفرق أكثر مما تجمع.. فلا تتوقع كل يوم أن تخرج لجارك-الذي يحيا بنفس بيتك وله نفس حقوقك- تخبره أنك ستحميه وستحفظ حقوقه بنبرة الأب الحامي وتتوقع أن يحب ذلك فهي بلده وبيته أولاً ثانيا هو قادر على حماية نفسك مثلك تماما!
4- نحن الآن نخيف أنفسنا بأنفسنا.. ننساق خلف الإشاعات ونرحب بكل من يلعب مباريات كرة قدم في عقولنا؛ مبارك صار كارتاً محروقاً بالفعل كيف نصدق أنه قد يعود بعد أن تنطلى الحيلة علينا؟ ننهك أنفسنا الآن في ما لا طائل منه سوى غضاعة الجهد بدلاً من إدخاره لمرحلة أهم وهى مرحلة البناء.
كما أن هناك أمرا هاما؛ ما معنى القوائم السوداء والبيضاء التي يكتبوها؟ فالآن الديكتاتورية التي ثرنا عليها نطبقها بحذافيرها؛ كل من كان مؤيداً صار الآن في القائمة السوداء للتنكيل به والإساءة له..أليس هذا نسف تام لمبدأ حرية الرأي؟
الأجدر بالقوائم أن تحتوى على أسامى من اراق دماء الشعب ومن ارتكب بحقنا جرائم انسانية بالفعل وليس من كان رأيه مخالفاً لنا. تماما كما تم عقب ثورة 1952؛ نشأت لجان لمحاكمة المعارضين ولقبوا بأعداء الثورة وصارت التهم جاهزة في قوالب بهم.
الأمر شبيه بمحاكم التفتيش الإسبانية؛ صار الآن من يفكر في أمر مخالف لما يراه الباقي يحكم عليه بالتخوين؛ وسيف العمالة والجبن صار يلوح به لمن يجرؤ أن يعلن رأيه مخالفاً؛ من يطالب الآن بعدم الانسياق وراء المطالب الفئوية كي يتعافى الاقتصاد الوطنى وتأجيل هذه الاعتصامات صار في محل شك في وطنيته .. أنا لست مع الاعتصام المزمع غداً الثلاثاء-وقد يتهمنى الكثير بالعمالة بالطبع-؛ فمطالب الثورة نعرفها جميعاً وإذا أردنا أن نذكر الجميع بها فليس بالاعتصام والامتناع عن العمل لحين إسقاط حكومة شفيق؛ التغيير الوزاري الأخير أتى بوجوه هامة ومحترمة للغاية؛ "يحيى الجمل" شخص لا يختلف عليه اثنين.. "جودة عبد الخالق" معروف أنه شخص نزيه.. منير فخري عبد النور للسياحة وأحمد جمال موسى للتربية والتعليم..تبشر ولا تخيف.
نعم لازال هناك بعض رموز الفساد ظاهرة؛ لكن ما المانع في ملاحقتها وجعل عجلة البلد تدور في نفس الوقت؟.. نعم لازال بعض الذيول تتراقص لكن بتشتيت الجهد ستجعل الفرصة سانحة أمام مزيد ممن جنته الآن في الفوضى الحالية بالبلاد؛ البلد بحاجة لبناء من جديد .. والفساد الذي استشرى بحاجة لاقتلاعه من النفوس أولاً .. أحمد شفيق مرحلة مؤقتة سيرحل بعدها؛ لكن خلال هذه المرحلة لابد من إعادة ال"دولة"..
حالة إفقاد الناس للثقة في كل الرموز..لا تفيد أي شخص بل على العكس تصيب الجميع بالشك ولا تفيد سوى الفاسدين بالفعل.
الحال الآن به الكثير من البلبلة والتشتيت عن القضية الأهم وإبعاد النظر عن مطالب الثورة التي لازال الكثير منها لم يتحقق بعد ويحتاج لانتباه من الجميع.. ويحتاج عدم تحفيز جهاز مناعتنا أكثر من هذا ليضرب خلاياه بنفسه.. فآخر ما نريده في هذه المرحلة هو جسد مريض

Saturday, July 24, 2010

انا لا اري اي دب!

أنا لا أرى أي دب!!
هناك حكمة قرأتها منذ سنوات وعلقت في ذهني بمعناها الملتف الذي لم استوعبه وقتها ظلت تتردد كثيراَ في ذهني كلما تذكرتها طارحة أوجه كثيرة ومعاني أكثر محتملة
الحكمة هى "إذا أردت أن تذهب لاصطياد الدببة فمن الأفضل ألا ترى أي دب"!!
وهذه المقولات العبقرية يتوه مبدعها العبقري الأصلي تاركاً معناها الفذ كي نعجب بقريحته المحترقة من الإبداع لصياغة هذا المعنى في هذه الصورة وهذا العدد القليل من الكلمات.ز
فالحكمة عن طبيعة انسانية تتركز بقوة في مجتمعاتنا للأسف فمعروف أن صائد الدببة لابد أن يتمتع يصفات كثيرة من الشجاعة والجلد والقوة.. فهو يتعامل مع حيوان مفترس ذي قوة مذهلة قد يحيله لعجين قبل التهامه لو أخطأ أو خاف.. وصائد الدببة قبل التوجه لعمله يعلم جيداً أنه مقبل على مهمة صعبة إن لم تكن مستحيلة وأنه لا مجال للدعابة هنا ولا للخطأ ..فلا مجال سوى للثبات وأن يبرهن أنه رجل حقاً. والأهم أن من يذهب لصيد الدببة فهو لا يقارن بينه وبين الدب من حيث الحجم أو القوة وإلا لفر فراراً من هول الفكرة قبل أن تكتمل داخل ذهنه!
وهكذا على خلفية هذه الحقائق والمعلومات العلمية السابقة أجب عن التالي!
1-ما صفات صائد الدببة وهل ترى فينا أي صفة من هذه الصفات؟
2- هل شهدت لدينا صائد دببة من قبل؟ ولماذا انقرض وجودهم لدينا؟
حسناً لا داع للحرج فالإجابة هى بالطلع لا.. لا للسؤال الأول ولا للسؤال الثاني ولا اخرى للسؤال الثالث حتى إن لم يوجد1
بعيداً عن الحجة التي سيبادر بها البعض أن الدببة حيوان غير موجود في بيئاتنا ولعل هذا هو السبب أننا لا نسعى لاصطياده..فدائماً هناك الإمكانية أن تذهب لاصطياد التماسيح..والتماسيح الحالية موجودة بكثر فاقت عددها أيام العصر الفرعوني! كما أن هناك الضباع والحيتان وهناك فصائل جديدة من الحيوانات المفترسة تظهر كل يوم مما يعطينا مساحة لا بأس بها للتحرك مما يفند الحجة السابقة!
فهذه الحكمة تنطبق علينا بشدة لعدة أسباب.. فالذاهبون لاصطياد الدب منا- إن وجدوا- نوعان.. نوع أول يبدأ قبل الذهاب في المقارنة بينه وبين الدب ليدرك أنه يفةقه ببشاعة قوة, رهبة ونظرياً مرآه كفيل بأن يرديه قتيلاً ومن ثم يعدل عن الأمر قبل الذهاب.
وطبق الأمر على أمور عدة تحتاج لجلد وشجاعة وصبر فنبدأ في التهوين من أمرنا والإكبار من عظمة ما نحن مقبلين عليه لذا نكتفي حينها بصيد السمك والأرانب حيث أنها لا تحمل أي خطر ولا عبء! لكنها كذلك لا تحمل اي نصر.
النوع الآخر هو الذي من أجله قيلت الحكمة وهو النوع الغالب :من يرغب في أن يظهر بصورة الشجاع المقدام صائد الدببة الهمام ولكنه يبذل كل ما في وسعه أثناء رحلة الصيد كي يختبئ ويتفاجى أماكن تواجد الدببة ثم يعود بعدها منهكاً ممزق الثياب مدعياً أنه حاول إيجاد أي دب لكنه يعثر على أي دب! فالدببة هى السبب لأنها هى التي اختفت! وهكذا يكون البطل الشجاع لأن الهالة التي أثارها حول ذهابه غطت على أنه لن يصطد اي شيء من الأساس! بينما هو رعديد عن امتياز وجدارة اختبأ في كهف ما حتى نامت الدببة أو قد يكون الطبيعة المصرية الصميمة هيمنت عليه وقام برشوة الدببة للبقاء بعيداً عن الأنظار!
فليس الأمر مجرد تواكل وسلبية فقط؛ بل تطور في النفوس ليصبح رغبة للظهور بوظهر الأبطال دون بذل أي جهد .. ابطال من ورق.. أبطال من نوع دون كيشوت.. بل وأبطال محتالون نوهم الجميع أننا سنذهب لاصطياد الدب وتحمل العواقب الخطيرة من أجله بينما كل ما في ذهننا هو البحث عن أفضل الأماكن الصالحة للاختباء.
نردد طيلة الوقت أن الحال الاجتماعي والاقتصادي والسياسي غي غاية الرداءة وفي نفس الوقت لا نسعى لفعل أي شيء سوى التبرم والشكوى دون أن نتحرك لأخذ الحقوق التي ننادي بها؛ نرغب في بلد ديموقراطي وحر لكننا لا نرغب في تحمل الأعباء الكثيرة والجادة لتحقيق ذلك كما فعلت وضحت الشعوب الكثيرة الأخرى حتى حولت بلدها لبلد حر وللصورة التي يريدونها له بكل إصرار وتضحية وتحمل.
نتيه فخراً وتأخذنا النشوة للنصر في كرة القدم ونعتبره غاية المطاف..تماماً كمن يلبس الخروف المقيد رداء الدب ويفتخر باصطياده! في حين أن الجميع من حولنا سبقونا في اصطياد النمور والفهود بل وصاروا يروضون ويلاعبون الديناصورات في حلبات السيرك!
تطبيق مجتهد للآية الكريمة " اذهب انت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون" وحين يأتي النصر يتصارع الجميع لنسب الفضل لنفسه رغم أنه يكاد يتثاءب لطول عهد البلادة وهو يروى مغامراته الزائفة!
وهكذا تجد كل مراسم الاحتفال بالذهاب لحملة الصيد موجودة دائماً وابداً.. تهليل وهتاف.. بينما الكل ينتظر الآخر أن يذهب هو للصيد! تندهش من كل الترتيبات الأبدية والضواضاء المثارة في حين أنه لا صيد تم ومع ذلك تستمر التجهيزات والحديث عن التجهيزات والحديث عن حديث التجهيزات لدرجة تدهش الدب نفسه!!
فهكذا ترى الحكمة حكيمة فعلاً! فالجميع صار يريد فروة الذئب دون أن يتحمل عناء اصطياده
!

Sunday, May 02, 2010

طوبى للحيوانات الضالة!

سأتحدث اليوم عن الكلاب.. وربما يحالفنا الحظ فنتحدث عن القطط كذلك.. ولا أريد أن أزيد من تفاؤلي وآمالي فأتحدث أيضاً عن الحمير!قد يصيب البعض الاندهاش، ويصيب الامتعاض البعض الآخر؛ لكني أجده موضوعاً جديراً بالمناقشة حقاً.. كان من المعتاد أن أرى مشهداً يقوم فيه أحد المارة بالإساءة لحيوان ضال في الشارع؛ كأن يقوم أحدهم بقذف كلب بائس بالحجارة، لا لسبب سوى أنه قادر على ذلك، أو أن يقوم أطفال المدارس بتعذيب القطط الصغيرة واستعمالها استعمال كرة القدم، وهو ما رأيته مرات عديدة.. لكن الأمر زادت حدّته في الآونة؛ لدرجة تبعث على الغضب حقاً.ففي يوم واحد وجدت رجلاً محترماً وقوراً -أو هكذا هو المفترض- يسير في سرعة بأحد الشوارع ومرّ بجانبه كلب ضئيل الحجم اتكأ بقدميه الخلفيتين على الرصيف؛ حانت من الرجل التفاتة عابرة تجاه الكلب، ثم دون أي مقدمات ركله ركلة قوية جعلت الكلب يصرخ، ثم مضى باعتيادية مكملاً طريقه!.. المثير أن الأمر تمّ دون وعي ودون أي تعبير على وجه الرجل كأنه حكّ أنفه أثناء السير أو أعاد ربط رباط حذائه!تلا ذلك مشهد محبب عند أطفال المرحلة الابتدائية، وهم مجموعة من الأوغاد الصغار -ولا أجد وصفاً أخفّ وطأة لوصفهم- يربطون كلباً لايزال رضيعاً بحبل من الليف في رقبته ويجرّونه جراً في مرح مجنون، والكلب يعوي عواءً تنفطر له القلوب، والحبل قد أصاب رقبته بجروح مؤلمة، وهم مازالوا يسحلونه على مرأى من الناس جميعاً دون أن يكسر عظامهم أحد، أو على الأقل يربط أحدهم بحبل في رقبته ليجرّه مثل هذا الكلب؛ فيدركون كم هو مؤلم ما يقترفونه من جرائم.وإذا حاولت نهر هؤلاء "الرعاع" لن تجد سوى ألفاظٍ بذيئة للغاية وصراخاً في وجهك يخبرك أنك وحدك تماماً؛ بينما المارة يتأملون مشهدك الغاضب في دهشة ولا يدهشهم مشهد الكلب بتاتاً!هناك خلل نفسي أصاب النفوس لا شك فيه.. فمن المعروف عنا كشعب أننا ننظر نظرة سخرية للمنادين بحقوق الحيوان؛ بل ونعتبر الحيوانات جماداً لا حياة ولا روح ولا أهمية له، ومن ثم لا حق له في شيء، ودائماً ما تجد تلك العبارة الخالدة "وهل الإنسان في بلدنا له حقوق كي نهتم بحقوق الحيوان؟!".وكأن الأمران مرتبطان ببعضهما البعض بالفعل، وكأنه قانون أو قاعدة شرطية! فما العلاقة بين أنك تعاني من عدم حصولك على حقوقك بضرورة أن تجعل هذه المعاناة واقعة على الجميع؛ إنسان وحيوان؟! مبدأ "أنا أعاني إذن لابد لكل الوجود أن يعاني"!لم تعد تلك التصرّفات قاصرة على فئة ما.. بل امتد لكل الثقافات وحتى الفئة المتعلمة، والمفترض أنها مثقفة؛ فإن لم يشاركوا بأيديهم في تعذيب الحيوانات؛ فهم يشيّعون من يدافع عنهم بنظرات ساخرة وتعليقات تلوم رفاهيته واتهامهم له بالبرجوازية المتعفنة!فالحيوانات كائنات عجماء لا تملك من أمرها شيئاً؛ لا تستطيع أن تصرخ ألماً عندما تجرّها بحبل من رقبتها ولا تشكو عندما يلهب صاحبها ظهرها بالكرباج لأنها لا تقوى على جذب عربة متخمة بالأثقال.. لا تملك قطة أن تردّ لك الركلة التي وجهتها لها دون سبب لمجرد أنك قوي وقد متّعك الله بالقدرة؛ فقد يستطيع الله في لحظة أن يبدل الأماكن لتشعر عذاب وهول ما تقوم به.ويبدو أن كل هذه التبريرات والإحساس بالقوة أمام عجز هذه الكائنات البائسة لم تدفع بالشفقة تجاهها؛ بل على العكس فقد أثارت النفوس لمزيد من التجبّر ولمزيد من الشعور بالقوة والنصر وشهوة التفوق الزائفة المثيرة للشفقة والاشمئزاز حين يتمّ ممارستها على حيوان بائس لا يفوقونه سوى في قوتهم البدنية؛ رغم أن الله منحهم التفوق العقلي والإدراكي والشعوري؛ لكنهم تخلوا عنه ليصيروا أكثر حيوانية.المحزن أن تسمع تعليقات كثيرة من نوع "أن البلد ملأى بالكوارث التي هي أجدر بالحديث عنها بدلاً من الاهتمام بالحيوانات"، أو تعليقات أقلّ تهذيباً "ناس فاضية صحيح"! لكني رأيت أن السادية تزداد بشكل خطر، فأصبحنا نقوم بالتنفيس عن الظروف الطاحنة في بعضنا البعض عوضاً عن أي تصرّف إيجابي، وهو ما نقرؤه في صفحات الحوادث؛ فالحيوانات لا تتمتع بالحظ الحسن ليكتب عنها قصة معاناتها في الجرائد! ولا يستطيع الكلب أن يقدم بلاغاً في القسم يشكو فيه تعرضه للاعتداء والضرب! بل هي تتعذب في صمت -وأحياناً في تلذذ من البعض- ممن يريد تنفيس غضبه ورؤية ألمه الداخلي في عين أخرى لن تجرّ عليه أي عواقب.وهكذا أجد بالفعل أن الحظ قد حالفنا؛ فتحدثنا عن الكلاب والحمير والقطط الضالة.. علّنا نحاول إعادة إثبات معلومة بديهية أن الحيوانات أرواح مثلنا وليست أدوات لعلاج المرضى النفسيين في شوارعنا

Sunday, March 14, 2010

يعني إيه سعادتك؟!

"يعني ايه سعادتك؟!!"
جاءوا حاملين فئوسهم الحادة..نعم..اتوا منذ الصباح الباكر لشارعنا و في قلوبهم نية الغدر ..اتوا بقلوب مليئة بالقسوة و العتاد القاطعة ..بوجوههم التي تحمل رهبة في النفوس و عيونهم التي تحمل شرا كامنا مستترا ..كنت اتوقع مجيئهم في ذلك الوقت فهذا موعدهم الذي لم يخلفوه ..منذ الصباح الباكر ظللت متيقظة منتبهة لكل خطوة في شارعنا الهادئ حتي رأيتهم من بعيد آتين بخطواتهم الثقيلة المتمهلة الواثقة المتوعدة..
لا اتحدث عن فرقة نازية و لا عن مجموعة من افراد تشكيل عصابي ما..انما اتحدث عن رجال البلدية المخولين كل عام بتقليم الاشجار في شارعنا و من يجاوره من شوارع!..و لكنهم اشد فتكا و بأسا من اي قوة عسكرية اخري ..فعمارتنا في شارع هادئ كانت اولي العمائر التي بنيت..حيث بناها جدي لامي ليقطن بها ابناؤه و بها افتتحت والدتي عيادتها الطبية للاطفال..اي ان الشارع يحمل رائحة عمر مديد لعائلتنا و ذكريات لا تمحي..ورغم التطورات التي تحدث علي الحي و ما كانت تؤكده امي-رحمها الله- و يؤكده ابي في كل لحظة ان الحي لم يكن بهذا الازدحام و الضجيج و كل هذة الابراج العالية و ان الطرقات كانت برحة تحمل علي جوانبها الفيلات ذات الحدائق..وانا اومئ برأسي ايجابا سعيدة بما اسمع عن هذا الزمن الغابر!
لكن شارعنا كان بعيدا الي حد كبير عن كل هذا الضجيج ظل صفين من العمائر القصيرة ذات الادوار الست و التي اصطفت امامها الاشجار تراها من اول الشارع ..وهذا ما كان يملؤني بالحب لشارعنا خاصة في الصباح عندما تبدأ العصافير في الاستيقاظ و تنطلق في الزقزقة و ضجيجها المحبب من خلال اعشاشها الكثيفة بين غصون الاشجار..لكن كما هو الحال دائما لابد ممن ينغص عليك حياتك و هم رجال البلدية المعنيون بتقليم الاشجار ..وضع تحت كلمة تقليم هذة الف خط ..فليس الامر تشذيب للاشجار و الفروع اثائرة ليعطونها مظهرا جميلا بل التقليم لديهم يعني قطع او كسر و حلق تام للشجر ليصبح علي الزيرو!
حاولنا بشتي الطرق نخبرهم اننا لا نريد احد يقلم الاشجار و اننا سنقوم بها بمعرفتنا لكنهم ابوا حيثانها اوامر الحي ..و بصعوبة اقنعناهم ان يجعلوا هذة المجزرة شتاءا اذ تفتق ذهنهم عن القيام به في الصيف ليحرموا سكان الشارع من الشجر و ظلها الرطب في اكثر الاوقات حرارة و لهيبا! و هوكما تري حس انساني لا مثيل له!..اما ما عجزنا عن افهامهم اياه بشتي الطرق هو كيف يزيلون الفروع الزائدة دون احالة الشجر لعصيان غليظة يرتجف ما تبقي من اوراق قليلة من الفزع بعد المجزرة التي تعرضت لها عائلاتهم في هذا العدوان الغاشم!ففي اخر المرات ايقظت ابي مبكرا فور مجيئهم و اخذ يحاول افهام الرجل انه يريد ان يقلم الشجر بجمال علي هيئة مربع او دائرة و كدت اضحك و انا اري نظرات الرجل المندهشة مرددا "يعني ايه جمال سعادتك؟!".وكما هو معتاد اشار له مطمئنا ليذهب للعمل و اتم عمله في خلق "الجمال" الذي اردناه مع كافة اشجار الشارع!
..وكل يوم استيقظ لاشرب الشاي بلبن صباحا و اشاهد شارعنا من النافذة فاضحك حيث يبدو من اعلي كرأس ابن البخيل الذي اصر علي حلقه كيلا يذهب للحلاق فبدا مشوها مجروحا!و احزن عندما افتقد صوت العصافير الذي انتقلت من شارعنا و احسب عدد الشهور التي تحتاجها الاشجار لتنمو من جديد و يعود الامر لما كان عليه من بهاء
و ايقنت حينها انه ليس خطأ الرجل فقط بل هي ثقافة عامة..فلم يعد هناك ما يسمي بالجمال و تذوقه ..طغت ثقافة العشوائية علي كل شيئ في حياتنا .ولو تأملت القاهرة و المدن كلها في مصر لوجدتها لوحة تعبر عن العشوائية و الفوضي القبيحة..الاحياء العشوائية صارت ظاهرة خرجت عن التحكم و امتدت للاحياء الراقية كذلك ..فتجد ابراج عالية مجاورة لمنازل صغيرة و تجد شارعا يمتد ثم اذ فجأة ظهرت في وسطه عمارة لتغلقه!
ناهيك عن تشويه كل المباني المتعلقة بالماضي الجميل الذي كان يحمل روح الجمال و الاتقان بين طيات معماره الراقي فلا تجد فيللا من هذا الزمن الا و علاها الاهمال لتتحول لبرج سكني قبيح..و الجميع يتعلل ان الحالة الاقتصادية القاسية لا تسمح بترف تذوق الجمال مع انه لا دخل لذلك بالحالة الاقتصادية بتاتا!..فبلدان افقر منا لكن سكانها مازالوا قادرين علي ايجاد الجمال و خلقه بينهم و حولهم..و هذا بالعكس فاذا زاد الفقر الحياة قتامة فلابد ان نجد لها مخرجا كي لا تسقط الحياة بكل تفاصيلها في مستنقع الظلام المادي و النفسي ايضا..فالامر ليس مكلفا و يمكن لكل فرد خلق نظافة وجمال بسيطا لكنه يمتد اثره في النفوس ليعينها علي تحمل كل القبح الخارجي..ولكن ما ايقنته حقا انه لم يعد فقط عدم الرغبة او عدم وجود البال الرائق لتذوق الجمال بل لقد تطور الامر حيث اصبحت كلمة الجمال نفسها لا تجد لها معني داخلنا و لا يفهمها احد ..تماما كنظرة الرجل الذي يحمل الفأس عما نقصد بكلمة جمال!
فلقد انمحت الكلمة تماما من النفوس فقط كل ما يفهمه ان عليه ان يضرب الاغصان بهذة الفأس لينهي عمله و يشرب كوب الشاي!..فما الذي يريده هؤلاء السكان بعباراتهم الغامضة هذة؟!..وهذة الثقافة الهدامة تشربتها النفوس جيدا صغارها و كبارها ..لا تجد الكثيرون يبدون امتعاضا لو وجدوا الخدوش و الكلام بالدهان الاسود علي الجدران بل ان العيون باتت لا تلاحظها اساسا!.وما علاقة الحالة الاقتصادية بالنظافة ..اذ صار لا يعتبر القاء مخلفات بالشارع امرا مرفوضا و مذموما بل ان الشارع اصلا المكان الاصلح لالقاء المخلفات!..وتجدها تحدث لا شعوريا بدءا بمن يقذف بقايا الطعام من نافذة سيارته و هو سائر الي ربة البيت التي تلقي باكياس القمامة من النافذة او تلك التي تضعها بلطف علي اول الشارع فيتبعها الباقون!..او الهول الذي تراه علي ضفاف نهر النيل الذي تحول لونه للسواد الكثيف
فمسألة التفرقة بين القبح و الجمال لم تعد نسبية بل صارت معدومة اساسا! و لا وجود للكلمتين الا في سؤال التضاد باختبار اللغة العربية!..اما لو سألت احدهم ان يتذوق الجمال و يفهمه سيرد ممتعضا هازئا " يعني ايه جمال سيادتك؟!"

Monday, June 01, 2009

رانديفو rendez-vous!!

رانديفو!!
رانديفو او "rendez-vous "هي كلمة فرنسية تعني ميعادا ما و هي تعنيه بمعناه الشامل اي ميعاد سواء موعد عمل او موعد مقابلة للاصدقاء او حتي موعد عند الطبيب المعالج لكن كعادة العقل المصري العتيد جري استعمالها علي كونها موعد غرامي فقط و لا شيء سواه!كان يوم عيد ميلاد ابي و قد اردت ان يكون يوما خاصا لا ككل الايام لم ارد ان نقوم بالامر المعتاد من اطفاء شموع التورتة و التقاليد المعتادة لعيد الميلاد ..خاصة اني كنت شبه متأكدة انه سيحاول ان يجعلني اتراجع عن امر الشموع و الاحتفال بعيد ميلاده بشكل عام بعد وفاة والدتي رحمها الله..فكرت كثيرا حتي اهتديت للفكرة ..اتصلت به و اخبرته بالا يصعد عند عودته و يخبرني بقدومه من خلال الانتركوم و سأهبط من فوري للذهاب في امر هام! و ازاء محاولته فهم ما يدور اخبرته اني علي عجلة من امري و سيعرف كل شيئ في حينه!..و هكذا تم الموعد بالاكراه لاني كنت متأكدة انه سيرفض لو عرف ما اريد..توجهت لارتداء اجمل ما عندي و ارتديت المعطف الذي يحبه ..تزينت جيدا و نزلت مسرعة فور سماعي جرس الانتركوم ..توليت القيادة و حاول ابي معرفة وجهتنا فكنت اتسم بالغموض كابرع زعيم عصابي!..حتي وصلنا و هممت بايقاف السيارة فاخبرته و نظرلي طويلا ثم شرد و قبل ان المح الدموع التي اعرف انها آتية اسرعت بالنزول و حثه علي الاسراع تجاه المطعم..
اخترت ذلك المطعم الايطالي الذي احبه و احس فيه بجو الراحة و الدفء..لم يكن هناك زبائن كثيرون ..حيث كان اليوم مباراة للاهلي و الزمالك ..اختار ابي المائدة و جلسنا متقابلين.. اخترنا الطعام و حرصي علي انتقاء البيتزا الخاصة الغارقة في الجبن الذائب و التي لم اذق في حلاوة طعمها الا في هذا المطعم و الكانيلوني السابح في الجبن هو الاخر وكل ما يمت للجبن بصلة!..جلست متحمسة اتبادل الكلام معه ..سألته ان كان احب المطعم فهز راسه ايجابا و ابتسم..سارعت بالاشارة الي اضواء الشموع الخافتة و الالواح الزيتية الرائعة وجو الرومانسيةالعام الرائع الحميم.فضحك ابي و اخبرني انه علي ان ادخر قليلا من هذا الكلام الحلو لعريس المستقبل!
ضحكنا معا و اخذنا نستمع الي الموسيقي الايطالي الهادئة و احاول ان اقلص مساحات الصمت بيننا..فدار الحديث حول كليتي و الصيدلية و بعض المواقف و انتقل الحديث للسياسة و احوال البلد..مضي الوقت حلو لدرجة يصعب نسيانها..حتي حان موعد الرحيل فانطلقنا عائدين للمنزل محملين بحلوي النعناع الذي احضره لنا الجرسون مع فاتورة الحساب كعادة المطعم..وهذا انعناع فريد من نوعه اذ ان طعمه تشوبه رائحة عطرية ما كما انها المرةالوحيدة التي اري فيها حلو نعناع ازرق اللون !..عدنا للمنزل ومكثنا قليلا نشاهد التلفاز ثم حان وقت النوم..تمنيت لابي عاما سعيدا ثم اتجهت لغرفتي ..ظللت فترة طويلة بفراشي لا استطيع النوم..انهيت قراءة كتاب كامل و مع ذلك لا استطيع النوم رغم مرور ساعتين كاملتين في الفراش!..اغلقت عيني و استندت بظهر علي الوسادة و اخذت استرجع احداث اليوم ..ابتسم و استرجع الجو الدافئ داخل المطعم و تلك الساعات الرحبة رغم قصرها ..وادرك ما كان يعتمل في صدره في كل لحظة ..فاخبرني ذات مرة في نوع من الفضفضة انه كان ينوي بعد تخرجي ان اتولي ادارة الصيدلية بينما يتولي اخوتي العمل في عيادة والدتي ليقضي الوقت مع والدتي رحمها الله في راحة و استجمام بعد هذا المشوارالطويل ..لكن ارادة الله كانت غير ذلك .اتنفس بعمق حين ادرك ما يعتمل في صدره كل عيد ميلاد له حين يفتقد صورة والدتي بجواره اثناء اطفاء الشموع وما كان يدخره من خطط و رحلات سيقومان بها بعد تخرج و زواج اخر العنقود الذي هو انا..
لذلك اشفق علي والدي من طول ساعات الوحدة و الصمت و احاول ان اعمد الي ان اقلص ساعاتهما قدر الامكان كي اتواجد معه و لا ادع تلك الافكار تعود له او علي الاقل تخفت حدتها..اغمض عيني بقوة و ادعو الله بالصحة و طول العمر لوالدي و بالرحمة لوالدتي ثم اقبل صورتها اسفل وسادتي و استعد للنوم و انا علي يقين اني سأراها في منامي الليلة كعادتها حين يشتد شوقي لها

Wednesday, April 22, 2009

عزيز قوم...!

عزيز قوم..!
سأتحدث اليوم عن شيئ غريب..سأتحدث اليوم ..عن شيئ نادر الوجود..سأتحدث اليوم عن كائن شارف علي الانقراض..سأتحدث اليوم عن كائن يصر علي الحياة رغم استحالتها..سأتحدث اليوم عن احد المواطنين المصريين!
هو..مواطن مصري عاد من الذين تقابلهم في الشارع و في الحافلة ..وربما كان جارك او زميلك في العمل..او للصدفة السعيدة ربما كان انت دون ان تدري ذلك!..شخصية رائعة للغاية..دمث الاخلاق الي حد مذهل و اصله عريق من العائلات المعروف عنها السمعة الطيبة ..كان في صغره يحيا في بيت العائلة الكبير ذي الحديقة آمنا مطمئنا مع عائلته الكبيرة و اخوته و اخواته ..وتمر السنون و تؤول ملكية البيت الي الورثة الذين كالعادة يقومون ببيعه كأول شيئ يفعلونه!..و سنون اخري تمر ليصبح زوجا و ابا لابناء عدة حملوا نفس الصفات الجميلة من الطيبة و حسن الخلق ..كان يحيا حياة معتادة ككافة المصريين ..ليست بشظف العيش و لا بحياة مترفة ..اي مثل معظمنا حياة مستورة تؤمّن له مستقبل آمن الي حد ما لكنها لا تعده بأي رفاهيات ..وكان يعمل في وظيفة جيدة عمل ..أي انه كان من الطبقة المتوسطة بكل معانيها المادية و الادبية و الاخلاقية..وكان تبادل الحوار معه يدب الحماسة بداخلك لذ انه كان شخصية ناضجة تسرّ للحديث معها و كان ذو شخصية اجتماعية للغاية
..كل هذا عرفته منذ صغري و حتي ايام قريبة وبما ان دوام الحال من الحال و لابد من رياح شرسة لا نشتهيها تهب بقوة فتقلب قواربنا و تتغير تضاريس الحياة من حولنا ..لظروف ما كان القدر صاحب الدور الاصغر فيها و لعب الفساد كالمعتاد الدور البطولي ..انقلبت حياته و صار عليه ان يترك شقته بالعمارة التي يقطن بها و ذلك لانها مخالفة و تحمل خطرا علي السكان ..وهي برج ضخم يضم حوالي المائة اسرة!..كلهم اصبحوا في العراء في ليلة واحدة ..ولا تسأل طبعا ما ذنب السكان في كون هناك من زوّر و بني ادوارا مخالفة و من ارتشي ليساعده علي ذلك ..لكن كالعادة يتحمل العواقب كما هو الحال دائما المواطن المسكين المقهور..والان صار عليه ان يتنقل بين بيوت الاقارب و المعارف الذين بالطبع يختفون في اوقات الشدة..وصارت عائلته الكبيرة و الابناء في مختلف المراحل الدراسية معرضين بين كل لحظة و اخري لتمضية الليل في الشارع بعد ان كانوا معززين مكرمين داخل بيتهم
..ويمر الشهر تلو الاخر دون اي اجراء من الحكومة التي تجاهلت امر السكان و كأنه لا يعنيها ليستمر ذلك الحال طويلا بانتظار تقارير الخبراء و المهندسين لتقييم حال البرج دون اي تعويض بالطبع للسكان..فمنذ متي يصرف تعويض عن الكوارث في وطننا ؟!..ويستمر التدهور اذ بدأ العمل في الندرة كالعادة في بلدنا و مصاريف الابناء في ازدياد حتي وصل الامر الي الاكتفاء بوجبة واحدة في اليوم عبارة عن الفول!..كل هذا و لا يظهر اي شيئ عليه فلا ضيق ولا شكوي ..فهو رجل عزيز من اصل معروف لا يستطيع تحمل نظرة شفقة او عطف احد المعارف او الاصدقاء و بالتالي يرفض اي مساعدة بكبرياء مرددا انه بخير.و هاهو يحاول ان يفر في اول فرصه تتاح له و يسعي للحصول علي عقد عمل بالخارج
..هذة القصة الصغيرة هي نقطة في بحر من الاف القصص المشابهة بالطبع في بلدنا فالكثير بالفعل تحولوا من عزيز قوم الي اذله لظروف لا دخل لهم فيها و لا ذنب سوي للفساد الذي يهيمن علينا ..الطبقة المتوسطة تتآكل بشكل سريع لا تقدر علي استيعابه و الامور تضطرب و تختلط ببعضها البعض و لا احد ينظر ما الذي اصاب غيره طالما الاصابة لم تطاله بعد..و لم يعد هناك اي امان او ضمان لك كمواطن ..فلا لك حقوق و لا حتي ينتظر منك واجبات سوي ان تكون مهذبا و تموت في صمت دون اي جلبة او ازعاج..ففي يوم و ليلة قد يجد المرء نفسه في حال غير الحال و تنقلب حياته رأسا علي عقب لتتدمر تماما و لا يجد حوله اي قشة يتعلق بها او بادرة نجاة بل يتركه الكل يغرق ..حكومة و شعبا و الكل يحمد الله انه ليس في موقعه و هو لا يفكر انه قد يأتي عليه الدور بعد فترة طالت او قصرت..والاكثر اثارة للفزع انه لا يوجد لديك اي شهادة ضمان تمنح لك في هذة الحياة..فلا مستوي تعليم و لا وظيفة تؤمّن لك الغد و حتي لو كان لديك كل اساسيات الحياة من شقة و عمل يؤمن لك مأكلك و مشربك و ملبسك فهذا لا يعني بالضرورة انك في امان او انك بعيد عن الخطر..ففي لحظة كل هذا معرض للزوال دون اي سبب سوي مزيد من الحال المائل و الاهمال و الرشاوي و غيرها..لتجد نفسك بعدها في وضع لم تكن ابدا تتخيل وجودك فيه
..فيبدو انك كمواطن مصري تحيا علي مسئوليتك الخاصة ..فكل يوم يمر عليك و انت مازلت مصرّا علي البقاء لا يعني سوي اقترابك من حافة الخطر اكثر .فالحكومة يبدو و كأنها ترفع يدها عن مسئوليتك و تتركك وحيدا تصرّف حياتك التي تحرص عليها كما استطعت ..وياليت الامر يقف عند هذا الحد فلو حتي تنازلت و زهدت في عون الحكومة الذي لن تجده اصلا ..فانهم لن يتركوك تحاول ترميم حياتك بل يشتركون بالمعاول في هدمها لتتحول الحياة بفضل الغلاء المتوحش و الفساد الاكثر توحشا الي حلبة سباق من يسقط فيها يدوسه الاخرون
..ففي كل مرة اتذكر الرجل الذي لم يعد بشوشا كما كان لكنه ظل متماسكا ليحفظ كبرياءه .اشعر بالاف الخناجر تمزقني حين ادرك اننا اوشكنا ان نصبح جميعا- ان لم نصر بالفعل-..عزيز قوم....ذل!

Tuesday, February 24, 2009

فنجان قهوة

فنجان قهوة
لا احب القهوة..فهي بالنسبة لي دواء يشرب اثناء ايام المذاكرة الكئيبة لاستجداء خلايا عقلك للسهر قليلا و لشحذ طاقة متبعثرة هنا او هناك لتطيل قدرتك علي الاستذكار لعل ذلك يقذف لك بطوق النجاة وقت الامتحانات..وعلي عكس الجميع ما ان اشرب القهوة حتي يصيبني نعاس شديد و لا انقطع عن التثاؤب ! اي انها تأتي معي بنتيجة عكسية تماما !
و كأنعكاس شرطي ما ان اسمع كلمة قهوة ينتابني احساسان يتفوقان علي بعضهما البعض في التعاسة ! فهي صارت مرادفا لسرادقات العزاء او للاختبارات و ايام المذاكرة الكئيبة.. و كلاهما مناسبتان زادتا في تعقيد العلاقة بيني و بين هذا المشروب ! لكني و الغريب في الامر رغم عدم حبي للقهوة الا اني احب فناجين القهوة! ..فهي ضئيلة الحجم ..رقيقة الشكل ذات تفاصيل منمنمة للغاية..
فعندما اراها تجلس فوق الطبق الصغير في خجل بجوار فناجين الشاي اشعر كأنها اطفال صغار شقية تشب علي اطراف اصابعها بجوار الكبار كما كنا نفعل في طفولتنا ..ومن شدة عشقي لها كنت اشرب بها العصائر و المياة! فطالما لا اريد شرب القهوة لابد من استغلال هذة الفناجين الانيقة ذات اللمسة الطفولية..و احيانا كثيرة اجد تشابها في العلاقات الانسانية مع الاكواب و الفناجين و ادوات المائدة!
فبعيدا عن العلاقات التي تقترب في شكلها من السكاكين الحادة و السواطير .وبعيدا عن العلاقات التي تشبه اطباق الجيلي كعلاقات باردة هلامية لا معلم لها ولا شكل محدد..هناك علاقات تشبه فناجين القهوة الصغيرة هذة بشكلها الرقيق الزاخر بأناقة رغم بساطته و الذي يشع منها دفء خفي لا تدري مبعثه ..ورغم صغر حجم الفنجان الا انه في بعض الاحيان من شدة دفئه يغمرك بكل المشاعر التي انت بحاجة لها و التي تتطور مع الزمن و يزداد حجمها او يقل حسب الاجواء المصاحبة..
كان هذا اليوم جميلا ..من الايام ذات اللحظات النادرة التي يشملك فيها دفء يذيب كل الثلوج المتراكمة حول صدرك و يحرر مشاعرك التي ظلت سجينة فترة طويلة عن عمد و قصد منك في بعض الاحيان ..و كان يوما شتويا باردا مما ساهم في اضافة المزيد من البرودة الخارجية حول قلبي.. و كعادتنا في تناول طعام الغداء متأخرا ..اي بعد صلاة المغرب!..اتناول طبق الشوربة الساخن الحافل بالليمون و كنت افرك اصابع قدمي داخل الخف الصوفي الطفولي طمعا في مزيد من الدفء ..وبينما عقلي يجاهد كي اجد موضوعا ملائما ناضجا للحديث بدلا من حواراتي المملة السخيفة اليومية و التي يسمعها ابي بصدر رحب و بابتسامة دبلوماسية جميلة.وانا اكاد اشعر انه اصابه الصداع الشديد من ثرثرتي التي لا تحمل اي معني !
..ران الصمت للحظات طويلة محرجة و كأنه ضيف ثالث انضم الي المائدة معنا و له الحق في التعبير عن وجوده ..وبدأ يتحرك لساني داخل فمي مستغيثا من كم الافكار المتتابعة و التي لا تجد طريقة مناسبة للتعبير عنها شرعت بفتح مجالا للحوار غريبا بعض الشيئ لكنه افضي الي موضوع اكثررحابة ..لكنه ظل من المواضيع المعتادة و التي تقال و تسمعها في كل لحظة من اليوم ..ثم اتت سيرة احد المعارف الذي التحق بالجيش وملأ الدنيا صراخا و عويلا لذلك ! ..ولما كنت اعرف عشق ابي للفترة التي امضاها بالجيش فحمسته للحديث عنها و بالفعل بدأ الحديث في التتابع و الذكريات الجميلة في الانسكاب
..جلست صامتة اتأمل ملامح وجه ابي بفرحة شديدة لرؤيته شارد الذهن حيث الجبهة و حرب اكتوبر حيث كان ضابط وقتها و هو يروي لي ذكرياته آنذاك ..يروي لي عن تدريبات ما قبل الحرب و الوحدة التي استلمها لعلاج الجرحي ..يروي تنقله بين المحافظات في الشهور ما قبل الحرب بدءا من الصعيد الي وجه بحري الي البحر الاحمر ..وحتي مرسي علم و السلوم..وزاد الجو حماسة حين بدأ في سرد ذكرياته عن الحرب ذاتها و كيف انه كان يمضي وقته في المخبأ تستقبل وحدته عشرات الجرحي كل دقيقة و رغم عدم قرب وحدته من الجبهة حيث السخونة الشديدة الا ان صواريخ العدو الاسرائيلي كان لا ينقطع سقوطها عليهم ..حيث يرتج المخبأ و تسقط المحاليل ثم يعودون الي عملهم من جديد بعد انتهاء الغارة..لا يروي ابي الكثير من تفاصيل الحرب نفسها لكنه يحكي لي عن اصدقائه الذين عرفهم هناك وقت الحرب ..منهم من عاد معه ومنهم من استشهد..
تتابع القصص الانسانية عن تلك اللحظات النادرة التي عاشها و التي دفعت بالدموع الي عيناي من شدة روعة هذة التجارب الانسانية الثرية..يروي عن بعض حكايات العساكر المضحكة..ويوم خرجوا جميعا لاصطياد غزال بعد ان ملوا العدس و الطعام المريع الذي يطهونه بأنفسهم! يجرون خلف الغزال المسكين بالسيارات كأفلام اكشن رديئة الاخراج! ثم طعمه المرّ الذي كان من اسوأ ما يكون! و كأنه عقاب لهم علي ما ارتكبوه بحق هذا الغزال الوديع
ثم اندهش حين يروي ابي انه كان يربي حيوانا اليفا بالمعسكر! و هذا بالطبع مستحيل في الجيش و خاصة اثناء الحرب..ثم ما تلبث دهشتي ان تتلاشي لتتحول الي ضحكة عالية حين ادرك كينونة هذا الحيوان الاليف الوديع الذي يحكي عنه ابي بكل حب و اشتياق ..انه الورل!!
وهو لمن لا يعرفه من فصيلة الزواحف عبارة عن تمساح صغير يعيش في الصحراء! وهو موجود بحديقة الحيوان في بيت الزواحف لمن يرغب في القاء نظرة علي هذا الاليف الوديع! وامام دهشتي و ضحكي اوضح ابي انه كان في منتهي الطيبة و كان لا يأكل سوي العشب و بواقي الطعام ..وكان يسير خلف ابي في كل مكان بالمعسكر و حتي اثناء نومه يزحف تحت الفراش لينام اسفله!
استرجع شكل الورل في حديقة الحيوان وملامح وجهه المخيفة فيزداد ضحكي عندما اتخيل ان هذا كان حيوان ابي الاليف وقت الحرب! ..تمر الدقائق مسرعة و انا اشعر بدفء روحي لامثيل له ..تزداد ضحكاتي الواحدة تلو الاخري لبعض المواقف المضحكة ..وينقبض صدري حين يتذكر ابي ذكري مؤلمة لاحد زملائه الذين استشهدوا
يمر الوقت سريعا و ينهض ابي مسرعا لتأخره علي موعده ..اظل في مكاني علي مائدة الطعام ..واشعر بحسد بالغ لهذا الجيل الذي ينتمي له ابي..فلقد عايش تجارب مذهلة لا تراها سوي علي شاشة التلفاز او في صفحات الكتب ..تنقلب هذة الغيرة الي شعور بالامتنان لا حد له لتلك الدقائق النادرة التي مرت سريعا..واشعر بسعادة غامرة تجتاحني لتهزني بعنف من الداخل عندما استرجع ملامح ابي المبتسمة و هي شاردة هناك ..حيث المعسكر و زملائه و ..الورل الاليف!
انظر الي طبقي الذي لم امسه و رغم ذلك لا اشعر بالجوع علي الاطلاق..بردت سخونة الشوربة لكنها انتقلت الي داخلي ..اذابت برودة الشتاء و الجليد المتراكم حول قلبي ..يشعر قلبي بامتنان لهذة اللحظات فيعلن ذلك بدقات متناغمة سريعة تجوب حجراته الاربع و تصيب عضلاته و صماماته بالجنون!
ارفع الاطباق من علي المائدة و اتأمل فناجين القهوة الصغيرة التي شاركتنا الحديث داخل البوفيه ..يزداد حبي لها و اشعر ان رغم حجمها الضئيل الا انها صارت تحمل دفئا يفوق حجم اناء الشوربة الساخن بأكمله!